في مدينة الجمال والكرنفالات الساحرة، ريو دي جانيرو، يعيش هذا الفتى البرازيلي الأسمر، رونالدو لويس نازاريو دي ليما، حياة لا تشبه معالمها الشهيرة من قريب، أو بعيد، ينتمي لعائلة فقيرة، يمتلك جسمًا بدينًا وملامح غير وسيمة تُثير استهزاء أقرانه وإخوته.
لم تكن عيشة كهذه تُرضيه، وبين الحين والآخر يُحدث نفسه “يجب ألا تكون عاديًا، ولابد أن تنزع عنك تلك المأساة التي ألمَّت بك دون ذنب، أو تدخُّل منك، أنت تستحق الأفضل، وعليك أن تكون كذلك”.
هو لا يعرف كيف يكون الأفضل؟.. ولماذا؟ لكنه يُمني النفس بذلك، وبدأ يتنامى هذا الشعور بداخله أكثر فأكثر منذ أن سحرته كرة القدم، أو ربما انجذبت هي إلى قدمه التي تُراوغ الجميع، ولا تُقارن بأحد.
وفي هذا الشارع الذي يلعب فيه، يقف مجموعة من الصبية من أبناء الحي الذي ينتمي إليه يتابعونه عن كثب، تبهرهم لمساته فيصفقون له، ويهللون مع رقصاته بالكرة، وهو لا يعبأ بهم، ويرمي بخياله إلى ما هو أبعد من ذلك بكثير.
يتصور نفسه في أحد ملاعب كرة القدم العالمية، والجماهير تملأ جنباته، جاءت كلها من أجله، وهو يرتدي قميص راقصي السامبا في كأس العالم، ويسمع اسمه يهز أرجاء الإستاد كلما وصلت الكرة إليه، والجميع يهتف “رونالدو.. رونالدو”.
ظلت تلك الأحلام تراوده دون كلل منه أو ملل، إلى أن جاءت اللحظة التي لعب فيها الحظ والقدر دورهما مع قدمه ليصل لمبتغاه خطوة بخطوة في 1993، عندما ضمه نادي كروزيرو البرازيلي.
لكن الفتى الطموح لم يقنعه ذلك فحسب، يريد أن يكون ضمن المحلقين للولايات المتحدة الأمريكية، للمشاركة وتمثيل منتخب بلاده في بطولة كأس العالم، ولِمَ لا وهو الذي يحكي ويتحاكى عنه الجميع في البرازيل.
كل شيء يسير حسبما يرسم ويخطط، وكأنَّ الحياة تعوضه عن سنوات العتمة والظلام التي عاشها في طفولته، وتضيء له مصابيحها واحدًا تلو الآخر، فاستُدعي ابن الـ17 عامًا، للدفاع عن ألوان بلاده بمونديال 1994.
تذكَّر وقتها حلمه في الشارع حين كانت تتلاعب به الحياة، وهو يداعب الكرة، وأخذ يردد “أخيرًا سأرتدي قميص راقصي السامبا.. وسيهتف الجميع.. رونالدو رونالدو”.
لكن لم يهتف له أحد خلال البطولة، حيث ظل حبيسًا لمقاعد البدلاء، ولم يشارك في أي مباراة.
فازت حينها البرزايل بالبطولة وتأجَّل تحقيق حلم رونالدو لـ4 سنوات أخرى، وبين احتفالات الفريق بالكأس في الملعب، وبهجة الجمهور في المدرجات، ينظر إليهم هائمًا، ولسان حاله يقول سنلتقى مجددًا في المونديال المقبل، ولن أكون وقتها ضيف شرف بل صانع الحدث.
الفريق البرازيلي لم يعد يناسب إمكانيات رونالدو الكروية الخارقة، فكانت محطته الجديدة آيندهوفن الهولندي، الذي قدم له عرضًا مناسبًا، عندما نجح وكيله في تسويقه بشكل جيد، بعد أن أنفق 6 آلاف دولار على تجميل أسنانه، وأصبحت ملامحه مقبولة مع قدمه الموهوبة.
وكعازف يطرب الآذان، أو كساحر يخطف الأنظار، كان يبدع ابن البرازيل، الذي لم يكن أحد قادرًا على إيقافه مهما بلغت قوة المنافس، فهو يراوغ ويمر ويخادع الكل، وفي الأخير يسكن الكرة الشباك. لم يعد مجرد لاعب، بل أصبح (ظاهرة).
خلطة رونالدو السحرية التي جمعت بين الحظ والموهبة، والاجتهاد، تسانده بقوة عام 1997، بانتقاله لبرشلونة. هو الآن لاعبًا في أحد أكبر وأعرق أندية العالم.
الجميع في البرازيل سُعداء من أجله، وكلما سجَّل وأبدع هذا الفتى مع الفريق الكتالوني انتشت صدورهم ابتهاجًا وفرحة، وهل يوجد أفضل من ذلك الاستعداد كي يبدع ابنهم في كأس العالم 1998؟
بات البرازيليون ينتظرون هذا العام بفارغ الصبر، ليروا كيف سيتلاعب بكل خصوم البرازيل في المونديال ويفتك بهم، ومن ثم يرفع كأس العالم الخامسة في تاريخ بلاده والثانية على التوالي.
فما الذي سيفعله رونالدو خلالها والتي مثلت لغزًا في مسيرة اللاعب الظاهرة؟