يجلس (فيليب) إلى جانب أحفاده في مدرجات ملعب جوفيرنادور ماجاليس، وسط ما يقرب من 60 ألف برازيلي ينتظرون مشاهدة مباراة منتخب بلادهم، أمام الماكينات الألمانية في نصف نهائي مونديال 2014.
كان (فيليب) الذي يقترب من بلوغ الثمانين، يعشق كرة القدم منذ طفولته مثله مثل كل برازيلي، لينتقل هذا العشق إلى أحفاده الذين باتوا لا يفارقونه مع كل مباراة يذهب لمشاهدتها من الملعب.
(فيليب) كان يساوره بعض القلق من أداء لاعبي البرازيل في البطولة، بل كان يخشى أن تقع كارثة كتلك التي حدثت قبل 64 عامًا عندما كان لا يزال في مقتبل عمره.
لكن الجد، طمأن نفسه بكلمات حماسية تبادلها مع أحفاده، وراحوا يهتفون بحياة لاعبي الفريق، قبل انطلاق المباراة، التي لم يكد يمر على بدايتها سوى 10 دقائق حتى افتتح توماس مولر، أهداف ألمانيا.
وبدا أن حدْس الجد العجوز، كان صائبًا فتوالت الأهداف الألمانية واحدًا تلو الأخرى، لتعيش الجماهير ليلة مأساوية، بعدما انتهت المباراة بسباعية لهدف لصالح المانشافت.
بكى الجد والأحفاد، وتعالى النحيب في جميع أرجاء الملعب، فالحدث جلل، زاد من سوداويته السقوط بسباعية، لأصحاب الرقم القياسي في عدد مرات الفوز بالبطولة.
لكن وللحظات، أدرك الجد، أنَّ ما وقع لا ينبغي ألا يثبط أحفاده، فاحتضنهم بشدة، وراح يهدئ من روعهم، واصطحبهم معه إلى منزله، بعدما طلب من نجله أن يبيتوا معه الليلة.
دخل (فيليب) مع أحفاده والذين كان عددهم ثلاثة إلى المنزل، وساد الصمت للحظات، قبل أن يطلب منهم، ألا تكون الهزيمة محبطة لهم بهذا الشكل، وراح يذكرهم بقصة تلك الليلة السوداء التي مرت على الشعب البرازيلي، قبل 64 عامًا.
جلس الأطفال الثلاثة، يستمعون للجد، الذي أخذ نفسًا عميقًا، وراح يسرد وقائع ليلة 16 يوليو/تموز 1950، التي وصفت بأنها الأسوأ في تاريخ البرازيل على الإطلاق.
كانت البطولة في ذلك الوقت هي الأولى منذ عام 1938، حيث توقفت في 1942، و1946 بسبب الحرب العالمية الثانية، وكان كل شيء مهيأ كي تفوز بلاد السامبا باللقب للمرة الأولى.
الدولة أنشأت استادًا (الماراكانا) هو الأكبر في العالم، يتسع لمائتي ألف متفرج، من أجل هذا الحدث، أملا في أن يحقق الفريق حلم الشعب بأكمله.
وقال الجد: “بدأت البطولة، وأدى الفريق بشكل جيد في الدور الأول، ففاز على المكسيك (4-0)، وعلى يوغوسلافيا (2-0) وتعادل مع سويسرا (2-2)”.
وأضاف “انتقل منتخبنا للعب في مجموعة تحديد البطولة، التي ضمت السويد، وإسبانيا، وأوروجواي”.
ومضى “في أول مباراتين، اكتسح منتخبنا، السويد (7-1)، وإسبانيا (6-1)، فيما جاهدت أوروجواي للفوز على السويد (3-2)، وتعادلت مع إسبانيا (2-2)، وبقيت المواجهة الأخيرة بيننا، لتحدد هوية البطل، وكنا في حاجة للتعادل فقط”.
وأكمل “في ذلك الوقت، كان عمري لا يتعدى 15 عامًا، وذهبت مع والدي، إلى إستاد ماراكانا الذي ضاق بالمتفرجين الذين جاءوا من كل حدب وصوب لمواكبة التتويج المتوقع لمنتخبنا”.
واسترسل “كانت كل الأحداث، تسير في طريق تتويجنا، فسيطر منتخبنا على الشوط الأول من المباراة، فيما اكتفت أوروجواي بالدفاع، وبناء الهجمات المرتدة، وانتهى النصف الأول بالتعادل السلبي”.
وأكمل “مع انطلاق الشوط الثاني، وبعد مرور دقيقة واحدة استطعنا التقدم بهدف، لكن كل شيء انقلب رأسًا على عقب، وتعادلت أوروجواي، ثم سجلت الهدف الثاني في الدقيقة (80)، وسط ذهولنا جميعًا”.
وتابع “ثوان وتحوَّلت أصوات 200 ألف شخص، إلى ساحة نحيب، بعدما كانت لساعة مضت مهرجانًا كرويًا في حد ذاته”.
وقال الجد وسط دموعه “كانت كارثة بكل المقاييس، فكل دولة لها كارثتها الوطنية، مثل هيروشيما بالنسبة لليابان، وكانت فاجعتنا الخسارة أمام أوروجواي”.
كانت الأحداث مثيرة للأطفال الصغار، الذين تناسوا ما حدث أمام ألمانيا، أمام رؤيتهم دموع جدهم التي انهمرت على خديه، وهو يسرد الأحداث، لكنه سرعان ما مسح دموعه، ليقول لهم إن أحداث تلك الليلة، كانت دافعًا للمنتخب في السنوات التالية، حيث عاد وفاز بـ3 بطولات في 20 عامًا، في 1958، و1962، و1970.
لكنَّ الجد تنهد، وأكد أنَّ الكارثة كان لها ضحية من صفوف المنتخب الوطني، حيث تحمل وزر الهزيمة طوال حياته.
لكنه قبل أن يواصل سرده، نظر في ساعته فوجد أن الوقت أصبح متأخرًا، فوعدهم بسرد فصول هذا الأمر، في الغد، وهو ما نرصده في الحلقة الثانية.