أنا من جيل مارادونا! .. د.محمد مطاوع – الرياضة نت
Visit Us On TwitterVisit Us On FacebookVisit Us On YoutubeCheck Our Feed

أنا من جيل مارادونا! .. د.محمد مطاوع

كنت واحدا من جيل نشأ على عشق مارادونا، فمنع اتقاد موهبته، وانتشار أخباره، تابعت وجيلي بأكمله هذا الساحر الجديد في عالم كرة القدم، وبدأت بالتقصي عنه من كثرة ما كتب عنه في الصحف، والأهداف التي عرضت فيما تيسر لنا من دقائق على تلفزيوننا الرسمي.

في ذروة طفولتها بنهايات سبعينيات القرن الماضي وبداية ثمانينياته، اقتصر فيها الإعلام على وسائله القديمة بين أوراق الصحف والمجلات الملونة..والشاشة الصغيرة إضافة إلى الأخبار المسموعة، لم نكن بذات حظنا مع نجوم اليوم الذين نتابعهم في كل وقت، ونتعرف على أخبارهم فور حصولها، ونشاهد أهدافهم وتصريحاتهم وردود أفعالهم وكأننا نعيش معهم، لكن في عصر مارادونا، كان لكل شيء قدسيته، حتى النجوم الذين كنا نكتفي للاستمتاع بأدائهم في الملعب بعيدا عن عالمهم الخفي.

لا زلت أذكر حتى الآن تلك الصورة الملونة على غلاف إحدى المجلات لمارادونا وهو يأكل حبة أيسكريم، وخبر انتقاله إلى برشلونة الإسباني عام 1982 بمبلغ وصل وقتها إلى 5 ملايين جنيه استرليني وحسب ذاكرتي كانت تعادل 11 مليون دولار، كنت مبهورا بهذا المبلغ الذي حطم كل الأرقام في وقتها، وأعترف بأن مارادونا جذبني لعشق النادي الكتالوني، فهذا الشاب القادم من أحد أفقر أحياء العاصمة الأرجنتينية بيونيس آيريس، غيّر مفاهيم كرة القدم، التي كانت تعترف بالتنظيم المتوازن بين الخطوط الثلاثة، وجعلها فيما بعد تواجه مارادونا والمواهب التالية، بخطة واحدة ترتكز على الدفاع ومحاولة إيقافه وحده..فبدونه تتوقف عجلة الفريق وتنتهي خطورته، ومنذ ذلك الوقت، اشتريت دفترا وبدأت بقص صور مارادونا من الصحف والمجلات ولصقها فيه، وكانت عادة قادتني فيما بعد للعمل الصحفي.

لم يحقق مارادونا الكثير مع برشلونة، حيث حصد بطولتي كأس الملك والسوبر الإسباني، وبعد موسمين فقط، كان يتخذ قراره بالرحيل بعد مشاكل صحية وإصابات كادت تنهي مشواره، وخلاف في وجهات النظر مع إدارة النادي، التي لم تنجح في ترويض هذا الحصان الجموح، ويتم على أثر تزايد مشاكله الاتفاق على رحيله الأسطوري إلى نابولي بمبلغ قياسي جديد وصل إلى 7 ملايين جنيه استرليني، فكانت قصة جديدة مع الكفاح في الدوري الإيطالي الأكثر قوة في ذلك الوقت، والقدرة على انتزاع لقب الدوري لمدينة كانت منسية كرويا، من براثن عمالقة إيطاليا الميلان وإنتر واليوفي، ويسطر تاريخا ما زال حيا في ضمائر النابوليتانو حتى الآن.

سحر مارادونا طغى في مونديال 1986 الذي كان له الفضل الأول في انتزاعه مع فريق من لاعبين أكثر تواضعا من معظم المنتخبات المرشحة، حيث حارب الإنجليز في الملعب كما حاربت بلادهم في جزر الفوكلاند، ونجح في النهائي من تعطيل الماكينة الألمانية ورفع الكأس الأغلى في تاريخ بلاد التانجو، وكاد أن يفعلها ثانية في 1990 لكن الألمان نجحوا بالأخذ بثأرهم، وفي عام 1994 كانت المنشطات تنهي مسيرة مارادونا الدولية بعد أبعاده عن كأس العالم في الولايات المتحدة.

كنت محظوظا بالاجتماع مع مارادونا في عديد المناسبات حين كان سفيرا لمجلس دبي الرياضي، حيث تم استثمار اسمه بشكل مثالي في البطولات الدولية، وقاد مبادرة نحو القمة مع مارادونا التي ركز فيها على العمل مع الأكاديميات، لاستنساخ مارادونا جديد، لكن شغفه بالتدريب قاده لقبول أكثر من مهمة والتخلي عن حلمه في دبي.

مارادونا كان يمتلك سحرا طاغيا في كل مكان يتواجد فيه، ورغم زيادة وزنه ومحدودية حركته، إلا أن الكاميرات كانت تعشقه في أي مكان، فمثلا غطى النجم الأرجنتيني على سحر التنس حين تابع إحدى مباريات بطولة دبي الدولية..ونزل إلى أرض الملعب وحمل المضرب في مباراة لمواطنه ديل بوترو، وحينها خطف الأضواء من نجوم التنس وتصدر نشرات الأخبار وأغلفة الصحف.

وفي طواف دبي للدراجات، حضر مارادونا لمكان حفل الختام وتوزيع الجوائز، وبمجرد وصوله التف حوله عشرات الصحفيين القادم معظمهم من أوروبا وتحديدا إيطاليا لتغطية فرقهم في الطواف، واضطر المنظمون لتجهيز مكان على عجل لجلوس مارادونا حتى يكون قادرا على التحدث مع الصحفيين، وللصدفة فقط بدأ وصول أبطال الطواف..ولكن الصحفيين كانوا مشغولين في توجيه الأسئلة إلى مارادونا، الذي غطى على الجميع.

في المؤتمر الصحفي الذي تم تقديمه فيه كسفير لمجلس دبي الرياضي، طرحت مسألة الكرة الذهبية والفيفا وبيليه، وتحدث فيها كأنه فيلسوف، تطرق لفساد بلاتر وحاربه وهو في عز قوته وجبروته..وكان سببا في النهاية في سقوطه..تحدث بأدب عن بيليه ولكن دون أن ينتقص من نفسه بأنه الأفضل..وبعفنوان عجيب..ومنطق أقرب للإقناع.

من ملاحظاتي الشخصية، كان مارادونا شخص مزاجي، وقد يكون لطريقة يومه الذي يبدأ مع اقتراب الشمس من الغروب وينتهي مع شروقها، فكثيرا ما كان يتجاهل من يطلب منه صورة أو التوقيع على أوتوجراف، ولكنه كان ينجذب فورا إلى قميص المنتخب الأرجنتيني أو علم بلاده، ويتحرك مباشرة نحوه للتوقيع عليه والتقاط الصورة التذكارية، فعشقه للأرجنتين كان عجيبا، حيث حملها في كل مكان ارتحل إليه.

مارادونا لم يحقق الكثير من الألقاب مثل ميسي أو رونالدو، ولكنه سحر العقول والقلوب بفنونه ومواقفه، وقتاله في الملعب من أجل هدفه الأعلى..قد لا يكون قدوة للأجيال في طريقة حياته الشخصية، ولكنه بالفعل كان أسطورة ستبقى حية في الأذهان إلى الأبد.

التصنيفات: ميادين