قصص المونديال..
بعضُ النجومِ تظلُّ عالقةً في السماء لفترة دون أن يلتفت إليها أحدٌ، موجودة، لكنَّها غيرَ مرئية، خافتة، في انتظار الفرصة لتتلألأ وتتوهج، في انتظار تلاحم ذرات الهيدروجين مع بعضها، واندماجها النووي لتتحول إلى هيليوم، ليظهر لمعانها للجميع. كان سالفاتوري توتو سكيلاتشي، ابن مدينة باليرمو بجزيرة صقلية، لؤلؤة جنوب إيطاليا، واحدًا من هذه النجوم، التي سطعت، ليس في سماء الفضاء، لكن في فضاء كرة القدم، حينما أتته الفرصة، في كأس العالم 1990 بإيطاليا. سكيلاتشي، جاء من الظلام إلى قمة الشهرة والمجد، من لاعب لا يعرفه الكثيرون، رغم أنَّه كان ضمن صفوف يوفنتوس، أحد أكبر وأعرق الأندية الإيطالية، إلى نجم يُشار له بالبنان، خلال مشاركته مع منتخب الأتزوري بالمونديال، حيث كان الهداف الظاهرة، مفاجأة البطولة.
احترف سكيلاتشي لعب الكرة في عام 1982، بانضمامه لنادي ميسينا، في دوري الدرجة الثانية آنذاك بإيطاليا، بعد فترة من اللعب لفرق الهواة، ثم الانتقال لفريق السيدة العجوز قبل بداية مونديال ٩٠ بعام واحد.
لم يكن سكيلاتشي نفسه، مثل الكثيرين، يتوقَّع تألقه اللافت مع منتخب بلاده في كأس العالم، وكان يعتقد أنَّ مكانه سيكون على مقاعد البدلاء في ظل تواجد مهاجمين من طراز فريد أمثال جيانلوكا فيالي، وأندريا كارنيفالي.
ليس تألقه فحسب، الذي لم يكن يتوقعه سكيلاتشي وجماهير إيطاليا، بل إنَّ اختيار مدرب الأتزوري، أزيليو فيتشيني له، واستدعائه من الأساس ليكون ضمن القائمة الرسمية للفريق، كان بمثابة مفاجأة للجميع.
لكنَّها لم تكن في بدايتها، مفاجأة سعيدة على أية حال، بل مخاطرة كبيرة، فاللاعب وقتها لم يكن لديه القدر الكافي من الخبرة لتمثيل منتخب بلاده في بطولة بهذا الحجم، فكل تاريخه الدولي يتمثل في مباراتين دوليتين، قبل المشاركة في المونديال.
وكما لم يخذُل باولو روسي، مدربه إنزو بيرزوت، بتألقه في مونديال 1982 بإسبانيا، عندما خاطر باستدعائه وقتها رغم أنَّه كان بعيدًا عن الملاعب بسبب سجنه لعامين، هكذا كان سكيلاتشي مع فيتشيني.
وجاء تألق سكيلاتشي، مع مباراة إيطاليا الأولى أمام النمسا، عندما نجح في صُنعِ الفارق بمجرد نزوله للمستطيل الأخضر في منتصف الشوط الثاني، بتسجيله هدف الفوز للإيطاليين من رأسية بعد تمريرة من فيالي.
فرحته بالهدف كانت جنونية، وكأنَّه لم يُحرز أهدافًا من قبل، ليُواصل تألقه في مباراتهم الثانية أمام أمريكا، رغم أنًه كان احتياطيًا، إلا أنَّ أداءه عندما شارك كان مقنعًا لمدربه، الذي كان سعيدًا من أجله، وفخورًا باختياره.
وكانت الأربعين دقيقة التي لعبها سكيلاتشي في المباراة، وإزعاجه الشديد للدفاع الأمريكي، كافية لحجز مقعده أساسيًا في المباريات المتبقية بالبطولة، بعدما قدَّم نفسه، وأوراق اعتماده كمهاجمٍ كبيرٍ، يستطيع أن يُخلَّد اسمه إلى جانب الكبار في تاريخ الكرة العالمية عامةً، والإيطالية على وجه التحديد.
وأمام تشيكوسلوفاكيا، قرَّر فيتشيني، البدء به على حساب كارنيفالي، الذي فشل في تحقيق أي شيء في المباريات السابقة، ونجح سكيلاتشي في التسجيل مجددًا، وشكَّل مع روبيرتو باجيو، ثنائيًا خطيرًا على شباك المنافس؛ حيث أضاف وقتها باجيو، هدفًا رائعًا، لتحصُد إيطاليا ثلاث نقاط جديدة، وتتخطى دور المجموعات بالعلامة الكاملة.
وفي الدور الثاني، لم تكن هناك أية مُشكلة بالنسبة لسيكلاتشي في مواجهة دفاع الأوروجواي الحديدي آنذاك، وعرف طريقه للشباك، ولم تَعُد التكتلات الدفاعية، قادرة على منعه من التسجيل، فبتسديدة صاروخية من على بعد 18 مترًا، أحرز هدف المباراة الوحيد، عابرًا ببلاده إلى ربع النهائي.
كان قادرًا على استغلال أنصاف الفرص، وترجمتها لأهداف، وهو ما فعله أمام أيرلندا، عندما لعب دور المنقذ بتسجيل هدف المباراة الوحيد، مستغلًا خطأ الحارس بادي بونر.
أصبح الجميع في إيطاليا يعرفون الهدَّاف الظاهرة، سكيلاتشي، الذي يُبهرهم في كل مباراة، لم يعد كما كان مجهولًا.. الجميع بات ينتظر أهدافه الحاسمه، وفي نصف نهائي البطولة أمام الأرجنتين، كان على الموعد، وافتتح التسجيل.
ولم يكن هدف سكيلاتشي هذه المرة هو الوحيد؛ حيث أدركت الأرجنتين التعادل، بأقدام لاعبها كلاوديو كانيجيا، وانتهى الوقت الأصلي والإضافي بهدف لمثله، وفشل هداف إيطاليا، ورفاقه في تخطي ركلات الترجيح.
ورغم الخسارة، فإنَّ مشوار إيطاليا في المونديال لم ينتهِ بعد، فخاض الآتزوري مباراة أمام الأسود الثلاثة، على المركزين الثالث والرابع، تلك المباراة التي كتب فيها سكيلاتشي اسمه في التاريخ.
سجَّل سكيلاتشي خلال المباراة الهدف الثاني لإيطاليا من ركلة جزاء، وهو والسادس له في المونديال، خلال سبع مباريات، ليتوَّج هدَّافًا للبطولة، والفوز بجائزة الحذاء الذهبي، ليسير على درب باولو روسي ثانية، حيث كان ثاني لاعب إيطالي يحصد هذه الجائزة بعده، وبنفس رصيد أهدافه، ليُخلِّد اسمه في تاريخ بطولات كأس العالم.