جاء اليوم الموعود، ففي مساء 12 يوليو/تموز عام 1998، اتَّجَهت الأنظار كُلَّها صوب إستاد “دو فرانس”؛ حيث المواجهة المرتقبة بين راقصي السامبا، والديوك الفرنسية.
البرازيليون يترقَّبُون فريقهم، وبالتحديد تتجه أنظارهم صوب ظاهرتهم الفريدة. هل سيشارك من الأساس؟.. بعد أن تكاثرت الشكوك حول إمكانية لحاقه باللقاء.
كان رونالدو، في حالة يُرثى لها، كان العرق يتصبَّب منه بغزارة، وجسده ينتفض، ويتنفس بصعوبة، فأجهش زملاؤه في البكاء بعد ظنَّهم أنَّه قد مات، إلا أنَّه كان يُصارع من أجل البقاء، ليُنقل بعدها للمستشفى، وأصبحت فرص مشاركته في اللقاء مثار شكوك.
لم يكن رونالدو، يُصارع فقط من أجل البقاء، لكنه كان يصارع من أجل كل الأشياء التي تنتظره، أو ينتظرها هو، من أجل حلمه القديم بأن يكون صانع الحدث للبرازيليين في كأس العالم، وليس مجرد لاعب عادي، ضمن صفوف المنتخب، أو ضيف شرف.
وكانت المفاجأة.. رونالدو ضمن التشكيلة الأساسية للبرازيل، مفاجأة انتشت معها قلوب البرازيليين بالفرحة. فرحة امتزجت بالدموع لرؤية أقدام ظاهرته تطأ أرض ملعب إستاد دوفرانس.
بيْد أنَّ شيئًا غريبًا يحدُث على أرض الملعب. وجوه الجماهير المستبشرة تتجهم شيئًا فشيئًا، تبدو عليهم الدهشة والحزن، ويدور في عقلهم ألف سؤال وسؤال، ولسانهم حالهم يردد “من هذا. أهذا هو رونالدو. ما له يتمايل هكذا.. ماذا يحدث؟”.
كان رونالدو يبدو وكأنَّه يُلامس الكرة للمرة الأولى في حياته. يتحسَّس خطواته ويضل طريقه نحو الشباك. كان أشبه بطفل تائهٍ في مدينة مزدحمة، لا يعرف فيها أحدًا، ويخشى الاقتراب من الناس، أو التعامل معهم.
لقد جاء رونالدو للمباراة بجسده فقط، ونسي قدمه وعقله ووجدانه في مكان آخر، ففشل في فعل أي شيء، ولم يكن كما أراد صانع الحدث، ولم يصل حتى لأن يكون ضيف شرف.
لم تكن الإصابة وحدها، هي التي أثَّرت على أدائه وظهوره هكذا، لكنَّها سوزانا!! سوزانا.. مَنْ سوزانا؟.. إنَّها صديقته البرازيلية، التي تسبَّبت في قلقه واضطرابه وتشتيت ذهنه وانتباهه بهذا الشكل، لكن كيف ذلك؟ وماذا فعلت كي تكون سببًا في ظهوره بهذا المستوى؟.
كانت الجماهير البرازيلية تُناديه في المدرجات وتصرخُ باسمه، تطالبه بأن يكون كما اعتادوه لا يعرف رحمة ولا هوادة. يُريدون لمسته السحرية التي تفوق كل اللاعبين، يريدون رونالدو الأفضل، لكنه لا يعبأ بصيحاتهم، ولا يُبالي بتحميسهم له. تائهٌ كما هو في أرضية الميدان.
وبينما يسعى زملاؤه، مجاراة الفريق الفرنسي الذي افتتح التسجيل مبكرًا عن طريق زين الدين زيدان، كان هو يتذكر كيف توترت علاقته بسوزانا، قبل 12 يومًا من انطلاق المونديال، عندما حضر بطولة رولان جاروس للتنس، وطبع قبلة على خد الروسية الحسناء آنَّا كورنيكوفا. تلك اللحظة التي سجلتها الكاميرات، ونشرتها الصحف.
كانت تلك القبلة، سببًا في جنون سوزانا، والتي أجرت على الفور مكالمة برونالدو، وهددته بعد رؤية الصورة.
كان رونالدو يواصل العدو في المباراة، لكن دون فائدة، وكأنَّ الكرة تُعاقبه على عدم اهتمامه بها وتركيزه مع سوزانا، فكلما وصلته فقدها بسهولة، ومهمة البرازيل في حصد كأس البطولة تتأزَّم أكثر فأكثر، مع تسجيل زيدان لهدفه الثاني في الدقيقة (45).
وخرج اللاعبون إلى غرف خلع الملابس بين الشوطين، وراح المدرب زاجالو، يُعطي تعليماته للاعبين على أمل العودة للمباراة، ويُوجِّه حديثه لرونالدو، الذي يفتعل التركيز والاهتمام معه، لكنه في الواقع لا يستطيع الخروج من بوتقة التفكير في سوزانا.
يتذكر رونالدو، يوم التقاها بعد مباراة البرازيل الأولى أمام أستكلندا، رغم أوامر مدربه بعدم مقابلة اللاعبين لزوجاتهم، أو صديقاتهم.
كانت سوزانا، قد جاءته بعد تعيينها مراسلة لقناة التلفزيون البرازيلية “جلوبو”؛ لأنَّها تعرف أنه بحاجة إليها، وكان كذلك بالفعل، فحاول ترميم العلاقة المتردية بينهما؛ لأنه يخشى أن تتركه يومًا ما.
انتهت الاستراحة، وانطلقت أحداث الشوط الثاني، وفرنسا تسعى لزيادة غلة الأهداف ورفاق رونالدو يحاولون التعويض، بينما رونالدو نفسه لا يزال يقدم المباراة الأسوأ في تاريخه؛ بسبب نيران الغيرة التي تشتعل في قلبه.
يعود بذاكرته إلى ما قبل مباراة النرويج، للشائعات التي تحدثت عن علاقة حب بين سوزانا والمعلق الرياضي البرازيلي بيدرو بايل، رغم مصالحة رونالدو لها، الأمر الذي فجَّر الخلافات بينهما مجددًا، وزاد من اضطرابه.
يُحدِّث رونالدو نفسه بلا صوت “نعم أحب سوزانا، وأخشى أن تتركني وتذهب لبايل”. يحبها للدرجة التي جعلته يعصي أوامر مدربه عشية المباراة النهائية، عندما تنكَّر في ثياب لاعب بيسبول ووضع نظارات سوداء، وخرج من الباب الخلفي للفندق إلى حيث توجد سوزانا، وانفجر باكيًا بين ذراعيها، وأخذت هي الأخرى تبكي، وبدلاً من أن يستعد ذهنيًا للمباراة زاد توتره، حتى وصل للحالة التي هو عليها الآن.
لم يأتِ خوف رونالدو الهستيري من فقدان سوزانا، من فراغ، فهو لا يستطيع أن ينسى حظه السيئ مع النساء قبل شهرته، وكيف كانوا يعاملونه لعدم وسامته، وأسنانه البارزة وبدانة جسده.
يتذكر موعده الأول مع جارته كيلي كريستينا، وكيف تخلَّت عنه بسرعة وهو في الـ13 من عمره، ويتذكر لوسيانا تلك الفتاة السمراء، التي أحبَّها في سن الـ16، لكنَّه تخلَّى عنها بعد 6 أشهر نزولًا على رغبة والدته.
الوقت يمرُّ بسرعة، وحلم التتويج بالبطولة يضيع من أيدي راقصي السامبا، فمنتخب الديوك لا يزال متقدمًا بهدفين، ورونالدو لا يصنع شيئًا، بينما يضيف إيمانويل بوتي هدفًا ثالثًا للديوك بالدقيقة الأخيرة، لتتوج فرنسا بطلة للعالم.
خذل رونالدو، نفسه قبل يخذل البرازيلييين، والسر كان عند صديقته سوزانا!!