وضع بايرن ميونيخ حدا لمسيرة المدرب كارلو أنشيلوتي مع الفريق حيث أقاله عقب الخسارة القاسية أوروبيا 3-0 أمام باريس سان جيرمان والتي كانت بمثابة الشعرة التي قسمت ظهر البعير في العلاقة بين أنشيلوتي والفريق البافاري فمنذ بداية الموسم، بدا بأن الفريق البافاري يعاني من تذبذب في المستوى إضافة إلى فقدان الهوية وغياب أي أسلوب هجومي واضح ناهيك عن مشاكل دفاعية لا تعد ولا تحصى.
وربما لن يكون من المفيد الغوص في تفاصيل فشل أنشيلوتي مع البايرن، بل يمكن عنونتها بأن المدرب الإيطالي ومنذ البداية لم يكن الرجل المناسب لقيادة البايرن ليس لأن أنشيلوتي مدرب عادي، فالرجل لديه إنجازات لا يمكن النيل منها بتاتا، بل لأن أنشيلوتي لا يتفق تماما مع العقلية التي تأسس عليها الفريق البافاري بعد عام 2009 كما أنه لم يطور اسلوبه التدريبي ولم يبتكر أشياء جديدة ليواكب التطور الحاصل في كرة القدم حاليا ما جعل فشله في بايرن، وللعالمين بخبايا الأمور وتفاصيلها، أمرا محتوما.
ويطرح الكثيرون السؤال التالي، من هو المدرب البديل المناسب القادر على حل مشاكل البايرن والذي يمتلك بين قوسين ” تشكيلة هي من الأقوى في العالم ” إذ أنه وفي كل مركز هناك نجم أو نجمان من الصف الأول.
الإجابة على هذا السؤال ليست بطرح اسم المدرب فلان أو علان ممن يتوفرون في السوق حاليا بل يجب ان يكون وفق متطلبات البايرن ووفق المدرسة والفلسفة التي بدأها بايرن بنفسه عام 2009 ونجح من خلالها في فرض نفسه قوة عظمى ليس فقط أوروبيا بل عالميا مع أداء كروي ممتع حتى أصبح الفريق البافاري في كثير من الاوقات قبلة كل من يريد الإستمتاع بمشاهدة كرة القدم.
دعونا نعود قليلا إلى حقبة بداية الألفية الثالثة، وتحديدا بعد فوز بايرن بلقبه الأوروبي عام 2001. بعدها، بدأ نجم البايرن بالأفول شيئا فشيئا على الصعيد الأوروبي، سلسلة من الهزائم المتتالية في دوري الأبطال والخروج إما من دور المجموعات أو دور الستة عشر وكان الوصول للدور الربع النهائي أفضل نتيجة للبايرن منذ عام 2002 حتى عام 2008 والذي شهد الموسم الكارثي لبايرن مع المدرب الألماني كلينسمان حيث ترك هذا الموسم أثارا سلبية ليومنا هذا وهو ما سنبينه لاحقا في سياق المقال.
عام 2008، أخذ بايرن ميونيخ القرار الجريئ وسعى مجددا لغزو أوروبا، فقام بصيف انتقالات ساخن فمن كلوزه ولوكا توني وصولا إلى فرانك ريبيري جهز البايرن نفسه وهو الغائب في ذلك الموسم عن دوري الأبطال وسعى للفوز بلقب كأس الإتحاد الأوروبي ليعود ولو من الشباك وليس من الباب إلى زعامة أوروبا رفقة مدربه التاريخي أوتمار هيتسفيلد لكن الرياح لم تجر كما شاءت سفن البايرن ولم ينجح البايرن في التتويج باللقب.
صيف 2009، قام البايرن بتعيين المدرب الهولندي لويس فان غال مديرا فنيا للنادي، وهذه كانت نقطة التحول الأساسية التي أعادت بايرن لقمة أوروبا مجددا. البايرن والذي كانت طوال السنوات الماضية هويته التكتيكية ألمانية، انتقل للفكر الهولندي ولمدرسة الكرة الشاملة التي كانت في نفس الوقت تغزو أوروبا عبر إسبانيا وعبر أستاذها الأول في عصرنا الحديث بيب غوارديولا رفقة برشلونة.
نجح المدرب الهولندي بسرعة قياسية في تغيير وجه البايرن وقاده لأول مرة إلى نهائي دوري أبطال أوروبا مع أسلوب هجومي ممتع وتغيير في مراكز اللاعبين وفلسفة اللعب حتى وصل تأثيره إلى المنتخب الألماني نفسه مع استنساخ لوف لبعض أفكاره. مشكلة فان غال كانت في أمرين، عدم حماية ظهر الدفاع عند التقدم وطريقة تعامله الفوقية مع بعض اللاعبين ليأتي بعده يوب هاينكس والذي لم ينجح في موسمه الأول في حل مشاكل الفريق رغم أنه لعب بنفس الفلسفة الهجومية فبقي وفيا لخطة 4-2-3-1 وأبقى نفس العناصر فيها فخسر البايرن كافة البطولات في أسبوع كارثي من شهر أيار عام 2012. الموسم التالي وجد هاينكس الحل، وهو التعاقد مع لاعب خط وسط بمواصفات عالمية قادر على تنفيذ فكر لاعب الإرتكاز بالكرة الشاملة كما يجب فانعكس ذلك تألقا بافاريا عام 2013 بثلاثية تاريخية حصلت لأول مرة في تاريخ النادي.
وشهد صيف العام 2013 تعاقد بايرن مع المدرب الأنجح من ناحية الألقاب لحد الآن بيب غوارديولا وهو أكثر الأشخاص إيمانا بفلسفة البايرن الجديدة فهو من كان قد غيّر معالم كرة القدم منذ عام 2008 تكتيكيا وخططيا وفقها لكن عبء الثلاثية كان كبيرا واسم غوارديولا الكبير يفرض عليه بنظر الجمهور والإعلام الفوز بالثلاثية كل عام وهو أمر لم يتمكن غوارديولا منه رغم أنه قدم ” البايرن الأكثر إمتاعا ” فسيطر بشكل كامل محليا ووصل لثلاث سنوات متتالية للدور النصف النهائي من البطولة القارية في إنجاز لم يعجب الكثيرين وهذا كان في السابق حلم كل بافاري وفعليا حلم إدارة كل نادي أروبي آخر.
وكانت عوامل الإصابات والحظ في اللحظات الأوروبية الحاسمة ضد بيب بجانب بعض العناد الفني منه وإصراره على اللعب كل الاوقات بدفاع عالي رغم وجود عناصر بطيئة دفاعيا لا تفيد هذا الفكر دون نسيان عدم مساعدة إدارة البايرن له في سياسة التعاقدات حيث كان قد طلب نيمار دا سيلفا ورفضت إدارة البايرن ذلك بجانب أسماء عدة كدي بروين وساني وغوندوجان ما أثر على قدرة بيب بتحقيق ما يريده ثم بعد رحيل غوارديولا أتى أنشيلوتي والذي سبق وتكلمنا عنه وعن اختيار البايرن الخاطئ له.
كل ما ذكرناه كان لنصل إلى نتيجة واحدة وهي أن المدرب القادم لبايرن يجب أن يكون من مدرسة الكرة الشاملة لأن البايرن تشرب هذا الأسلوب ولاعبوه قادرون على الإبداع به لنأتي إلى السؤال الأصعب من جديد، من هو المدرب البديل ؟
تجربة كلينسمان التي ذكرناها سابقا، تجعل ادارة البايرن حذرة في التعاقد مع مدرب ألماني شاب، لكن هذا لا ينفي قدرة أي مدرب شاب على النجاح وطوي صفحة كلينسمان السوداء.
كلوب، توخيل، نايغلسمان محليا وإنريكي وجارديم اوروبيا، كلها أسماء قادرة على قيادة البايرن رغم الإعتقاد الشخصي بأن البايرن سيبقي على ويلي سانيول حتى نهاية الموسم ومن ثم يتعاقد مع الشاب نايغلسمان مدرب هوفنهايم وهو أصغر مدرب ألماني حالي في نهاية الموسم ومن يدري، ربما عند انتهاء مرحلة الذهاب من الدوري الألماني وهذا رهن بأداء سانيول الذي تتمنى إدارة البايرن ان ينجح مؤقتا كي يكون مجيئ نايغلسمان الصيف المقبل هادئا ومن دون اية مشاكل وضجة لا لزوم لها كي لا تجبر ربما على التعاقد مع مدرب آخر وتأجيل فكرة نايغلسمان لسنوات قادمة.