اعتُبِر باريس سان جيرمان لفترة طويلة مجرد مجموعة من النجوم الكبار بهالة إعلامية هائلة، لكن الآن وتحت قيادة لويس إنريكي أصبح الفريق يتمتع بهوية واضحة وأداء جماعي قادر على الذهاب به بعيدا، وذلك بفضل العمل الذي قام به المدرب الإسباني.
بعد حسمه لقب الدوري الفرنسي السبت، يتفرغ سان جيرمان الآن لربع نهائي دوري أبطال أوروبا الذي يخوضه بمعنويات مرتفعة في مواجهة أستون فيلا الإنكليزي، مع طموح الذهاب حتى النهاية وتحقيق حلمه وحلم ملاكه القطريين بإحراز لقب المسابقة القارية للمرة الأولى في تاريخه.
توج نادي العاصمة العام الماضي بثنائية الدوري والكأس المحليين ووصل إلى نصف نهائي دوري أبطال أوروبا في أول موسم له بقيادة إنريكي، معتمدا بشكل رئيس على كيليان مبابي الذي سجل 44 هدفا رغم أنه استبعد عن الفريق لفترة خلال النصف الثاني بعدما بات جليا أنه يرغب بالانتقال إلى ريال وعدم توقيع عقد جديد.
ورغم رحيل لاعب من طراز مبابي الذي سبقه إلى المغادرة في 2023 لاعبون كبار آخرون هم النجمان البرازيلي نيمار والأرجنتيني ليونيل ميسي ولاعب الوسط الإيطالي ماركو فيراتي، نجح إنريكي في التأكيد أن اللعب الجماعي هو مفتاح النجاح، مانحا الفريق الباريسي الأمل بمستقبل أكثر إشراقا.
وقال مدرب برشلونة وإسبانيا السابق العام الماضي: “كل ما أعرفه هو أنه إذا سارت الأمور على ما يرام، فسيكون لدينا في الموسم المقبل فريق أفضل بكثير في جميع النواحي، هجوميا ودفاعيا وتكتيكيا. لا أشك في ذلك”.
لم تكن الأشهر الأولى من هذا الموسم مثالية على الإطلاق، إذ مني الفريق بهزائم في دوري أبطال أوروبا أمام أرسنال الإنكليزي وأتلتيكو مدريد الإسباني وبايرن ميونيخ الألماني، بالإضافة إلى رفض المدرب اللعب بمهاجم صريح تقليدي، ما أدى إلى الحد من مشاركة راندال كولو مواني.
– فريق شاب بمزاج جديد –
لكن الفوز في النمسا على سالزبورغ في كانون الأول/ديسمبر كان بمثابة لحظة تحول.
في تلك الليلة، بدأت سلسلة من 24 فوزا وتعادلين في 27 مباراة، وكانت الهزيمة الوحيدة في تلك الفترة في باريس على يد ليفربول الإنكليزي 0-1 في ذهاب ثمن نهائي المسابقة القارية، لكن فريق إنريكي عوضها إيابا وحسم المواجهة بركلات الترجيح.
وأظهر سان جيرمان أنه لم يتأثر بتاتا برحيل مبابي رغم حجم أهمية قائد “الزرق”، إذ، ومع تبقي ست مباريات على نهاية الموسم، يبتعد سان جيرمان بفارق هدف واحد فقط عن معادلة إجمالي عدد أهدافه في دوري الموسم الماضي.
وبقيادة إنريكي، تحول عثمان ديمبيلي إلى هداف فتاك بتسجيله 32 هدفا في جميع المسابقات، بينما سجل برادلي باركولا والبرتغالي غونزالو راموس وديزيريه دويه ما مجموعه 43 هدفا.
إنه فريق شاب لأن خمسة من أصل اللاعبين الـ11 الأكثر استخداما من قبل إنريكي تبلغ أعمارهم 23 عاما وما دون.
وبقيادة ثنائي خط الوسط البرتغالي الديناميكي فيتينيا وجواو نيفيز، يضغط الفريق عاليا على الخصم ومن دون هوادة، مضيّقا عليه الخناق والمساحات.
ومع قوة تحمل وسرعة وجودة الظهيرين المغربي أشرف حكيمي والبرتغالي نونو منديش، يظهر التناقض الصارخ مع حقبة وجود ميسي ونيمار.
كان سان جرمان قبل عامين في حالة من الفوضى، بعيدا كل البعد عن الأهداف التي وضعها لنفسه في دوري أبطال أوروبا وأكثر من أي فترة منذ انتقال ملكيته إلى القطريين عام 2011.
– “سعادتي لا ترتبط بالألقاب” –
لكن إنريكي غيّر الوضع والمزاج في الفريق، وهو قال بعد الفوز على أنجيه 1-0 السبت وحسم لقب الدوري المحلي “العام الماضي كان جيدا جدا. فزنا بالعديد من الألقاب ووصلنا إلى نصف نهائي دوري أبطال أوروبا. هذا الموسم، نحن فريق أفضل بلا شك”.
وأضاف ابن الـ54 عاما الذي مدد مؤخرا عقده حتى 2027 “أظهر اللاعبون مستوى من النضج لا تجده عادة مع فريق بهذا الشباب”.
إلى جانب استهداف الفوز بدوري أبطال أوروبا، ما زال بإمكان سان جيرمان دخول التاريخ كأول فريق يكمل الدوري الفرنسي من دون هزيمة، وأن يحتفظ أيضا بلقب الكأس المحلية التي يخوض مباراتها النهائية ضد رينس في 24 أيار/مايو.
بالنسبة لإنريكي: “سعادتي لا ترتبط بالألقاب بل بانخراط اللاعبين”، مضيفا “لقد جددت عقدي، وخبرة اللاعبين الذين تعاقدنا معهم تسمح لنا بالعمل على المديين المتوسط والطويل. كل شيء جاهز لتحقيق أشياء عظيمة”.
من الواضح أن اللاعبين يؤيدون أفكار إنريكي، وهو أمر لا ينطبق على جميع من سبقوه في سان جيرمان، مثل كريستوف غالتييه ومواطنه أوناي إيمري الذي سيتواجه معه في ربع نهائي دوري الأبطال.
وقال المدافع لوكاس هرنانديز “إنه المدرب، ونحن نتبع أفكاره ونسعى لتطبيقها بأفضل طريقة ممكنة. أعطى الأمر ثماره بالفعل الموسم الماضي. ما زلنا نتبع فلسفته هذا الموسم. نأمل أن تستمر”.
والآن، تأتي المواجهة مع فيلا وإيمري ويلتقي المدربان اللذان كانا على مقاعد البدلاء عندما واجه برشلونة نادي العاصمة الفرنسية في اللقاء التاريخي عام 2017 حين حول النادي الكاتالوني بقيادة إنريكي وميسي خسارة ذهاب ثمن النهائي برباعية نظيفة إلى فوز ساحق قاتل في الإياب 6-1 بعد تسجيله ثلاثة أهداف بين الدقيقة 88 والوقت بدل الضائع، بينها ثنائية لنيمار.