فشل الفرنسي هيرفي رينارد، مدرب منتخب السعودية، في الإيفاء بوعده، بعدما خرج خالي الوفاض من بطولة كأس الخليج العربي “خليجي 26″، الجارية في الكويت.
وأطلق رينارد تصريحات حماسية قبل البطولة، حيث شدد على أن السعودية جاءت إلى الكويت للمنافسة بقوة على اللقب، إلا أن الفريق فشل في اجتياز الدور نصف النهائي، بالخسارة أمام عمان بنتيجة 1-2 مساء أمس الثلاثاء، ليحمّل المدرب الفرنسي لاعبيه المسؤولية.
ويمكن القول إن عدم فوز السعودية بـ”خليجي 26″ يعود لظروف خارجة عن إرادة رينارد كالإصابات المفاجئة، إلا أن المدرب ارتكب أخطاءً ساهمت في هذا الفشل.
وبدأ المنتخب السعودي البطولة بأسوأ أداء ممكن، حيث خسر على يد نظيره البحريني (2-3) في إحدى أضعف مبارياته بالولاية الثانية لرينارد، لكن المدرب قال إنه “قبِل التحدي”، وذكّر الإعلام بسيناريو كأس الخليج عام 2019.
وقتها خسر منتخب السعودية مع رينارد في ولايته الأولى المباراة الافتتاحية ضد الكويت 1-3، لكنه صحح المسار، وتمكن من التأهل إلى الدور النهائي، قبل الخسارة على يد البحرين بهدف.
رينارد فشل حتى في تكرار تأهله للنهائي هذه المرة، واكتفى بأن يكون الأخضر في المربع الذهبي للبطولة.
وكان رينارد يمنّي نفسه بحصد أول ألقابه مع المنتخب السعودي، لكنه بقي بلا ألقاب، بل إن الأخضر واصل ابتعاده عن منصات التتويج بأي بطولة منذ أن حصد كأس الخليج عام 2003.
وكان من المفترض أن تمثل بطولة كأس الخليج بوابة إعداد المنتخب السعودي لاستكمال الجولات الحاسمة من التصفيات الآسيوية المؤهلة لكأس العالم 2026، إلا أن الأداء الذي قدمه رجال رينارد زاد القلق على مصير الفريق.
ونستعرض في هذه السطور التالية أهم الأسباب التي أدت لخسارة السعودية اللقب الخليجي في الكويت:
فيروس قاتل
عند الحديث عن أسباب خسارة السعودية اللقب، يجب أن تأتي الظروف التي عاشها الفريق في المعسكر على رأس هذه الأسباب، حيث واجه رينارد وجهازه الفني سوء حظ واضح.
ومنذ الإعلان عن قائمة المنتخب السعودي لخوض البطولة، فقد رينارد لاعبين بارزين بسبب الإصابات، ما أربك حساباته الفنية، خصوصًا أن منهم أعمدة رئيسة، وبالتالي يمكن القول إن هذا الفيروس قتل حظوظ الأخضر مبكرًا.
وتعرض للإصابة كل من فراس البريكان، وصالح الشهري، وياسر الشهراني، وعبد الإله العمري، وعبد الله الخيبري، وعبد الإله المالكي، فضلا عن آخرين أثرت الإصابة على مستواهم في البطولة، بعد أن تحاملوا على أنفسهم للمشاركة، وأبرزهم القائد سالم الدوسري.
كل هذه الإصابات أجبرت رينارد على الدفع بلاعبين في غير مراكزهم، مثل الاعتماد على نواف بوشل، الظهير الأيمن، في الجبهة اليسرى لتعويض غياب الشهراني، وإن كان اللاعب شغل نفس المركز مع فريقه النصر.
كذلك اضطر رينارد للدفع بمروان الصحفي أساسيًا في مباراة عمان، رغم أنه انضم قبل ساعات قليلة قادمًا من فريقه بيرشكوت البلجيكي، وكانت النتيجة أن اللاعب قدم أسوأ أداء، ما ساهم في الخسارة.
سلاح مفقود
بدا واضحًا تراجع أداء لاعبي المنتخب السعودي في الشوط الثاني من مباراة عمان، فبعد أن أخذ الأخضر زمام المبادرة في الشوط الأول، وكان قريبًا من التسجيل في أكثر من مناسبة، هزم الإرهاق اللاعبين في النصف ساعة الأخير.
ويبدو أن الجهد الكبير الذي بذله لاعبو منتخب السعودية في مباراة العراق الصعبة يوم السبت الماضي أثّر على مردودهم أمام عمان، مع أفضلية الأحمر بحصوله على يوم راحة إضافي قبل المباراة.
في المباريات الثلاث التي خاضها منتخب السعودية في دور المجموعات، كان أداؤه تصاعديًا، يتحسن مع مرور الوقت في الشوط الثاني، حتى في المباراة الأولى، التي خسرها أمام البحرين.
لكن ما حدث أمام عمان هو العكس تمامًا، والسبب يعود إلى تراجع المخزون البدني للاعبين، في وقت لم يكن رينارد يملك أوراقًا بديلة، بسبب الإصابات التي ضربت الصفوف، وبالتالي فقد الفريق سلاح العودة الذي أنقذه في الدور الأول.
عناد رينارد
ربما يكون رينارد ضحية الإصابات وإرهاق اللاعبين، لكنه ساهم بنفسه في الخروج من البطولة بإصراره على خيارات بعينها رغم إثبات فشلها.
أبرز هذه الخيارات علي البليهي، مدافع الهلال، الذي ارتكب أخطاءً كارثية في المباريات الأربع التي لعبها الأخضر في البطولة، ورغم ذلك يجد نفسه أساسيًا في تشكيل الفريق.
وتجاهل رينارد المطالبات الإعلامية والجماهيرية بالتغيير والاعتماد على خيارات مثل علي لاجامي، أو الشاب سعد الموسى.
وتنوعت أخطاء البليهي بين التمركز الخاطئ، والتغطية السيئة، وبطء الحركة، فضلًا عن الهفوات كتلك التي تسببت في استقبال هدف أمام اليمن، بعدما فشل المدافع في إعادة الكرة بالرأس لحارسه محمد العويس.
وفي مباراة عمان، غفل البليهي لحظة عن عبد الرحمن المشيفري فأفلت لاعب عمان، وانطلق بسرعة من الناحية اليمنى، ليمرر كرة الهدف الثاني لعلي البوسعيدي.
وتمكن لاعبو المنتخب السعودي من إنقاذ البليهي في مناسبات عديدة، آخرها أمام اليمن، لكن “ليس كل مرة تسلم الجرة”.
بخلاف البليهي، أصر رينارد على الدفع بعبد الله رديف أساسيًا في المباريات الأربع، رغم أنه لم يقدم أي بصمة هجومية تُذكر، لكن ربما يكون المدرب معذورًا لقلة الخيارات، بعد إصابة البريكان والشهري.
ومع ذلك، فإن رينارد تجاهل المطالب باستدعاء عبد الله آل سالم، نجم الخليج وهدّاف اللاعبين المحليين في الدوري السعودي للمحترفين، وهو واحد من ضحايا عناد رينارد مثل عبد الرحمن الغريب (النصر)، وتركي العمار (القادسية).
طريق ممهد
أظهرت بطولة كأس الخليج عيوب الدفاع السعودي، فبخلاف استقبال 8 أهداف، كان العدد مرشحًا للزيادة لولا رعونة مهاجمي الخصوم في بعض اللقطات، لدرجة أن رينارد صرّح بعد توديع البطولة بأنه “من المستحيل الفوز باللقب بعد استقبال هذا العدد من الأهداف”.
وشعرت المنتخبات الأربعة التي واجهت السعودية في “خليجي 26” أن طريقها أمام المرمى ممهد، إذ استقبل الأخضر أهدافًا من كل الوضعيات الممكنة، سواء التسديد بعيد المدى، أو الألعاب الهوائية، ومن الكرات المتحركة والثابتة.
وبرزت معاناة المنتخب السعودي في مركز حراسة المرمى، بعد الأداء الباهت لنواف العقيدي، الذي استقبل 3 أهداف أمام البحرين، ومحمد العويس، الذي تلقت شباكه 5 أهداف في 3 مباريات، ولم تكن له لقطات تألق تُذكر.
كما أن العويس يتحمل مسؤولية الهدف الأول لعمان، بعدما تجاهل تخصيص لاعب لسد الثغرة الناتجة عن قفز لاعبي الحائط البشري في لقطة الركلة الحرة.
هذا الضعف الدفاعي الواضح سيكون مصدر القلق الرئيس للأخضر في التصفيات الآسيوية خلال الأشهر المقبلة، إذا لم يتمكن رينارد من لملمة أوراقه وتجديد الدماء بعناصر مناسبة.
ورغم ذلك، لا يمكن إنكار الجهد الذي بذله حسان تمبكتي في التغطية، إذ كان أفضل مدافعي الفريق في المباريات الثلاث التي لعبها، حيث اضطر رينارد للاعتماد عليه بعد كوارث مباراة البحرين الافتتاحية.
فرص مهدرة
ولا يمكن إغفال الفرص التهديفية السهلة التي أهدرها لاعبو المنتخب السعودي على مدار المباريات الأربع، والتي كان لها دور في الخروج من البطولة.
وفي مباراة عمان الأخيرة، أهدر مروان الصحفي فرصة سهلة أمام المرمى، كانت كفيلة بتغيير مجرى المباراة، إضافة إلى فرصة أخرى أهدرها عبد الله الحمدان.
غياب الحلول
أمام التكتل الدفاعي الذي لعب به منتخب عمان في معظم أوقات مباراة نصف النهائي، فشل لاعبو المنتخب السعودي في اختراق الحاجز الدفاعي، لغياب الحلول الفردية.
ورغم أن منتخب عمان لعب منقوصًا معظم أوقات المباراة، إلا أن المتابع لأحداث اللقاء لا يشعر بهذه الأفضلية لصالح الأخضر، إذ عوض لاعبو الأحمر هذا النقص بالتفوق البدني والمهاري الواضح.
الدليل على غياب الحلول الفردية أن الهدف الوحيد الذي سجله منتخب السعودية في المباراة جاء من تسديدة مباغتة من خارج منطقة الجزاء، وليس جملة فنية أو اختراق بمهارة فردية.
احتفالات قبل الأوان
مثلما كان الإعلام السعودي سببًا في تحفيز لاعبي الأخضر قبل مباراة العراق بقصة يونس محمود، أسطورة أسود الرافدين، كان أيضًا سببًا في تشتيت تركيز اللاعبين أمام عمان.
وبالغ لاعبو منتخب السعودي وإعلامهم في الاحتفال بعد التأهل إلى نصف النهائي على حساب العراق، إذ اتخذت هذه المباراة أبعادًا أخرى، ليتخيل اللاعبون أن الفوز بها كافٍ لإرضاء الجماهير بعد “ضحكة يونس محمود”.
كما أن السعوديين تعاملوا مع مباراة عمان، وكأن التأهل إلى النهائي “محسوم”، لدرجة أن تقارير إعلامية تحدثت عن احتمالية تأجيل مباراة الكلاسيكو بين الهلال والاتحاد في كأس الملك (المقرر لها الثلاثاء)، بعد قرار تأجيل نهائي كأس الخليج ليقام السبت بدلًا من الجمعة.