اخبار عالمية

إدمان نيمار ومعاناة ريال مدريد وبرشلونة .. لماذا تفشل الصفقات الكبرى؟

By عدنان العصار

November 09, 2024

لم يكن الهلال السعودي يعرف أنَّه سيهدر الملايين بتعاقده مع البرازيلي نيمار دا سيلفا، وهو نفس الكأس الذي شرب منه ريال مدريد وبرشلونة من قبل، فما السر وراء فشل معظم الصفقات الكبرى في الفترة الأخيرة؟.

لسنا بحاجة للانتظار حتى نهاية رحلة نيمار مع الهلال للحكم عليها بالفشل؛ حيث أكدت الأشهر الماضية أنَّ اللاعب “الزجاجي” لم ولن يكون قادرًا على تقديم الإضافة للزعيم.

صفقة كبرى بمبلغ ضخم، صاحبها ضجة إعلامية. العيون كلها مُركزة على اللاعب، والمحصلة “صفر”.. سيناريو ليس غريبًا على الأذهان، تشعر وكأنك سمعت هذه القصة أكثر من مرة في تطبيق عملي لظاهرة “ديجافو”.

صفقات كبرى في العقد الأخير سارت عكس التوقعات، ولم تخلف سوى ذكريات حزينة في قائمة الأغلى عبر التاريخ، والأمثلة هنا كثيرة، لعل أبرزها إدين هازارد في ريال مدريد، وفيليب كوتينيو، وعثمان ديمبلي مع برشلونة، وقبل كل هؤلاء نيمار نفسه، صاحب الصفقة القياسية، مع باريس سان جيرمان.

فشل ذريع

قصة الهلال ونيمار الحزينة بدأت صيف 2023، حين قرر النادي التعاقد مع النجم البرازيلي ليكون واجهة مشروعه في الولاية الثانية لجورجي جيسوس، بعد أن فشل الاتفاق مع ليونيل ميسي في موسم انتقالات تاريخي بالدوري السعودي.

تعاقد الهلال مع نيمار مقابل 90 مليون يورو بعقد لموسمين في صفقة هي الأغلى في تاريخ الدوري السعودي، متفوقًا على كل المحترفين الذين استقطبتهم المملكة حتى الآن، كما يتقاضى النجم البرازيلي راتبًا يبلغ 160 مليون يورو في الموسم الواحد، بخلاف عقود الإعلانات الضخمة.

لكن كل الآمال التي انعقدت على الساحر البرازيلي لتكرار تجربته في برشلونة ذهبت أدراج الرياح بعد أن تعرض مع منتخب البرازيل لإصابة قوية في الرباط الصليبي للركبة، بعد شهرين فقط على انضمامه للزعيم.

وأبعدت تلك الإصابة نيمار عن الملاعب لمدة وصلت إلى 369 يومًا، وهي أطول فترة غياب في مسيرته، ما أثار التساؤلات بالأوساط الرياضية السعودية حول مدى استفادة النادي بعد الملايين التي أنفقها.

وبعد أن قضى نيمار الموسم الأول من عقده بعيدًا عن الملعب، اشتاقت جماهير الهلال للاستمتاع بمهارات نجم السامبا بالموسم الثاني، إلا أن تأخر جاهزيته أبعده عن القائمة المحلية، واقتصرت مشاركاته في النصف الأول من الموسم على دوري النخبة الآسيوي.

وفي ثاني مباراة بعد العودة من الإصابة الطويلة، تعرض اللاعب لتمزق في العضلة الخلفية، ما سيبعده لمدة تصل إلى 6 أسابيع، حسب بيان رسمي، أي أنه لن يلعب تقريبًا قبل يناير/كانون الثاني المقبل.

لم يكن أكثر المتشائمين من جماهير الزعيم يتوقع أن يظهر نيمار بقميص الفريق في 7 مناسبات فقط بكل البطولات، منها 3 مباريات كبديل، خلال أكثر من 16 شهرًا.

ولعب نجم منتخب البرازيل مع الهلال ما مجموعه 428 دقيقة، ساهم خلالها في 4 أهداف فقط، بتسجيل هدف وصناعة 3.

واقتصر ظهور نيمار على مراسم تتويج الهلال ببطولات لم يسهم في الفوز بها، إضافة إلى عدد من الفعاليات الرياضية بموسم الرياض.

وتدرك إدارة الهلال أنه حتى لو اكتملت جاهزية نيمار بحلول يناير/كانون الثاني المقبل فإنه سيحتاج وقتًا لاستعادة حساسية المباريات، فيما سيتزامن ذلك مع مرحلة حاسمة للفريق في الموسم، لذلك كان من المنطقي أن يفكر النادي في فسخ عقده قبل 6 أشهر من نهايته، حسب ما ذكرته آخر التقارير الصحفية.

ظالم أم مظلوم؟

قد يتبادر إلى الأذهان سؤال: لماذا الهجوم على نيمار رغم أن تعرضه للإصابات المتكررة ربما يدخل في إطار الحوادث القدرية؟.

لكن الصورة الذهنية التي كونتها الجماهير عن نيمار منذ بداية احترافه بأوروبا مع برشلونة هي أنه غير منضبط خارج الملعب، ما أثّر على حالته البدنية، وبالتالي أصبح عُرضة للإصابات.

بالإضافة إلى الاتهامات الموجهة له بأنه لم يذهب إلى السعودية من أجل لعب كرة القدم، وإنما لجمع الأموال، مكتفيًا بما حققه في أوروبا.

وفي هذا الإطار، كشف فوزي الجاسر، اختصاصي جراحة العظام والمفاصل والإصابات الرياضية، في تصريحات صحفية، أن التأهيل البدني الذي أجراه نيمار بعد عمليته الجراحية في الرباط الصليبي والغضروف لم يكن مكتملًا من ناحية التمارين، والتغذية، والانضباط.

وأضاف “لو كانت باقي العضلات سليمة للاعب، إضافة للانضباط في البرنامج التأهيلي، لم تكن تحدث مثل هذه الإصابة الجديدة”.

معاناة الريال وبرشلونة

نموذج نيمار، سبقته الكثير من الصفقات الكبرى التي فشلت في تحقيق الطموحات، وكان العملاقان ريال مدريد وبرشلونة أبرز الأندية التي عانت من هذه الظاهرة.

حاول برشلونة تعويض رحيل نيمار المفاجئ إلى باريس سان جيرمان صيف 2017، فتعاقد مع الفرنسي عثمان ديمبلي من بروسيا دورتموند بعدها بأيام، ثم ضم البرازيلي فيليب كوتينيو من ليفربول في شتاء 2018.

ورغم أن كل صفقة كلفت خزينة البارسا 135 مليون يورو بالمركز الثالث بقائمة أغلى الصفقات عبر التاريخ، وفقًا لشبكة “ترانسفير ماركت” المتخصصة، إلا أن كلتيهما لم تحدث أثرًا يُذكر، وحاول النادي التخلص منهما بأقل الخسائر.

وبعد أن كان ديمبلي أحد المواهب الواعدة في صفوف دورتموند، خفت نجمه مع برشلونة، ولعب 185 مباراة في كل البطولات على مدار 6 أعوام، سجل 40 هدفًا، وصنع 43، إلى أن انتقل إلى سان جيرمان.

بنفس السيناريو، كان كوتينيو أحد نجوم الدوري الإنجليزي الممتاز “بريميرليج” مع ليفربول، لكنه فقد بريقه بقميص البلوجرانا حيث سجل 25 هدفًا، وصنع 14 في 106 مباريات.

وخرج كوتينيو لفترتي إعارة إلى بايرن ميونخ، وأستون فيلا، قبل أن ينتقل بعقد دائم إلى الفريق الإنجليزي في 2022.

وفي سيناريو مشابه، ضم ريال مدريد البلجيكي إدين هازارد، الذي كان متألقًا مع تشيلسي في 2019، في محاولة لتعويض رحيل كريستيانو رونالدو إلى يوفنتوس، إلا أن النجم البلجيكي لم يقدم شيئًا على مدار 4 مواسم، وكأنه لاعب آخر غير الذي كان مع البلوز.

هازارد انضم في صفقة قيمتها 120 مليون يورو كسابع أغلى صفقة، ولعب 76 مباراة فقط، سجل خلالها 7 أهداف، وصنع 12 هدفًا، ولم يستطع حتى الانتقال إلى نادٍ آخر بعد استغناء الملكي عنه، ليجد نفسه مجبرًا على الاعتزال.

نيمار وباريس

بعد الإشارة إلى ثالث وسابع أغلى الصفقات في التاريخ، لا يمكن إغفال الصفقة القياسية التي نقلت نيمار من برشلونة إلى سان جيرمان مقابل 222 مليون يورو في 2017، وغيرت ملامح الميركاتو.

وبعد 5 أعوام قضاها نيمار داخل أسوار حديقة الأمراء، يمكن القول إن النجم البرازيلي فشل في تقديم الإضافة التي كان ينتظرها منه الرئيس ناصر الخليفي والجماهير الباريسية.

صحيح أن أرقام نيمار مع سان جيرمان مقبولة، بتسجيله 118 هدفًا وصناعته 77 آخرين في 173 مباراة، إلا أنه لم يساعد الفريق في تحقيق الإنجاز الأبرز، دوري أبطال أوروبا، وهو الهدف الذي جاء من أجله.

حتى على المستوى الفردي، تبدو أرقام نيمار عادية بالنظر للمسيرة المميزة التي قدمها كيليان مبابي (256 هدفًا و108 تمريرات حاسمة في 308 مباريات)، وعدد الجوائز التي حصل عليها، رغم أن الفرنسي لعب عامًا واحدًا أكثر منه.

ولم تخلُ مسيرة نيمار مع سان جيرمان من المشاكل، تارة مع إدينسون كافاني، وأخرى مع مبابي، كما أنه اختفى في ظل ليونيل ميسي مجددًا، خلال موسمهما الأخير مع الفريق.

ويبدو أن نيمار أدمن هذا الفشل منذ خروجه من برشلونة بقرار متسرع، ساعده عليه والده ووكيل أعماله في ذلك الوقت، فيما لم يعد مضمونًا أن يستعيد مستواه المعهود في الفترة المتبقية من مسيرته، وبالتالي فإن لاعب الهلال أهدر فرصة ثمينة بخلافة عرش ميسي ورونالدو في كرة القدم.

نظرية إنجليزية

لا يمكن تحديد سبب بعينه لفشل الصفقات التي تُعقد بمبالغ ضخمة ويصاحبها ضجة إعلامية، فلكل صفقة ظروفها، ولكل نادٍ خصوصيته، بما يعني أن نجمًا قد يفشل مع فريق، بينما يمكن أن يحقق نجاحًا في فريق آخر، وبيئة أخرى.

وفي محاولة لتفسير الأمر، يمكن الاستعانة بنظرية الإنجليزي إيان جراهام، مدير قسم علوم البيانات بليفربول، وأحد صنّاع مجد الريدز في ولاية يورجن كلوب، حين حدد 6 أسباب محتملة لفشل أي صفقة، خلال حديثه بأحد المؤتمرات عام 2021.

والأسباب الستة هي:

– اللاعب ليس بالجودة التي ظنها مسؤولو النادي

– اللاعب جيد، لكنه لا يناسب أسلوب لعب الفريق

– اللاعب لا يلعب في مركزه المعتاد أو مركز يناسب إمكانياته

– المدرب ليس مقتنعًا بقدرات اللاعب أو لا يحبه

– هناك لاعب أفضل منه في قائمة الفريق أو في السوق

– اللاعب يعاني مع الإصابات أو مشكلات أخرى خارج المستطيل الأخضر

من الواضح أن السبب الأخير ينطبق على معظم الصفقات الكبرى التي أُبرمت في السنوات الأخيرة، ومنها الصفقات التي ذكرناها في هذا التقرير.

فنيمار قضى نحو 90% من مشواره مع الهلال متأثرًا بإصابتيه، فيما تعرض لـ24 إصابة مختلفة ما بين بسيطة وخطيرة، وصلت فترة غيابه في إحداها لـ130 يومًا بسبب جراحة في الكاحل موسم 2022-2023، حسب “ترانسفير ماركت”.

وكانت الإصابات أيضًا عنوان مشوار هازارد مع ريال مدريد، إذ عانى من 17 إصابة مختلفة، أثرت على مستواه كلما تعافى من أي منها.

كذلك لُقب ديمبلي بـ”الرجل الزجاجي” بسبب كثرة إصاباته مع البارسا، التي وصل عددها إلى 15 إصابة، غاب بسبب إحداها لمدة 190 يومًا.

ورغم أن تأثير الإصابات كان أقل على كوتينيو مقارنة بباقي النجوم المذكورين، إلا أنه عانى من 7 إصابات، وغاب لمدة 220 يومًا بسبب واحدة منها في الغضروف.

تجدر الإشارة إلى أن إحصائيات الإصابات المذكورة تتضمن فقط تلك التي أبعدت اللاعبين عن خوض مباراة واحدة على الأقل مع ناديه.

وبخلاف النقاط الست التي حددها جراهام، يمكن القول إن الضغوط النفسية الهائلة التي تقع على النجوم بعد إبرام صفقة كبرى يمكن أن تؤدي إلى نتائج عكسية، ورغم ذلك فهناك نجوم استطاعوا التغلب على هذه المشكلة.