عند النظر إلى موسم بوروسيا دورتموند، يمكن تقسيمه إلى شقين، محلي باهت أنهى خلاله الدوري الألماني في المركز الخامس، ليغادر المربع الذهبي للمرة الأولى منذ موسم (2014-2015) الذي حل سابعًا خلاله، كما ودع كأس ألمانيا من ثمن النهائي أمام شتوتجارت.
أما الشق الثاني يتعلق بمشاركته الأوروبية، حيث نجح في دوري أبطال أوروبا هذا الموسم، وتصدر مجموعة الموت التي ضمت باريس سان جيرمان وميلان ونيوكاسل.
وشق دورتموند، طريقه، ليصل إلى المباراة النهائية للمرة الأولى منذ 11 عامًا، وذلك بقيادة مدربه إدين تيرزيتش، الذي نجح في إعادة البريق الأوروبي الغائب للفريق الألماني، بعد اكتسابه خبرة هائلة على مدار السنوات بين لحظات المعاناة التي مر بها، ولحظات التعلم التي استفاد من كل ثانية بها.
حرب أهلية
نشأ تيرزيتش في مدينة مندن الألمانية على بعد 40 كيلو مترا من دورتموند، وهو ابن لأسرة يوغوسلافية مهاجرة التقت في ألمانيا، والده كان من البوسنة ووالدته من كرواتيا، وكانت الأسرة تتحدث اليوغوسلافية في المنزل.
وفي بداية تسعينيات القرن الماضي، أجبرته الحرب الأهلية على الهروب رفقة أسرته، ولكن لم يتمتع كل أقاربه بنفس الحظ، حيث قتل عمه وأخذ أبناء عمومته سجناء حرب، وبدأت أسرته في جمع الأموال للمتضررين.
واستعاد تيرزيتش، ذكريات تلك الفترة في تصريحات لصحيفة ذا أتلتيك “لقد واجهت جزئيًا ما فعلته الحرب بهؤلاء الناس”.
وتابع “توقفنا عن الذهاب إلى منزل أسرتي في العطلات، ومنذ ذلك الحين فقدت اللغة بعض الشيء، وأصبحنا نتحدث الألمانية في المنزل”.
إلهام كرواتيا
درس تيرزيتش، العلوم الرياضية في جامعة الرور في بوخوم، ومارس كرة القدم في دوريات الهواة في ألمانيا، قبل أن يعمل ضمن الكشافين ومدرب مساعد في أكاديمية الشباب لدورتموند.
وسبق وأن التقى تيرزيتش، بسلافين بيليتش في 2012، عندما كان الأخير مدربًا لمنتخب كرواتيا، وسأله قبل مواجهة أيرلندا في اليورو، إن كان لديه ملاحظات من عمله ككشاف.
وأخبره بأن أيرلندا تجيد مراقبة صانع اللعب، وعلى لوكا مودريتش الرجوع للخلف بعض الشيء، إضافة إلى عدم تمتع أيرلندا بالقامات العالية في الدفاع، وهو الأمر الذي استفادت منه كرواتيا بتسجيل هدفين بضربات رأسية، ليشيد بيليتش بنصائح تيرزيتش في المؤتمر الصحفي عقب اللقاء.
اكتساب الخبرة
عندما تلقى بيليتش، فرصة العمل في بشكتاش بعدها بعام واحد، حرص على اصطحاب تيرزيتش معه، وكذلك الأمر عندما تولى تدريب وست هام، وهو أمر ساهم بشدة في بناء شخصية تيرزيتش.
وقال تيرزيتش عن تلك الفترة “يمكنك الدراسة لسنوات والاستماع للكثير من الأحاديث، لكن الأمر يختلف عند الوقوف أمام 25 لاعبًا من دول مختلفة، فهذا أمر لا تتعلمه بل تعيشه، أنا ممتن بحصولي على تلك الفرصة في ثقافات مختلفة”.
ومنح بيليتش، الفرصة والمساحة إلى تيرزيتش للتحدث مع اللاعبين، وتعلم كيفية نقل المعلومات لهم، سواء بالاكتفاء بالإشارة إليها أو بمحاكتها في التدريبات أو شرحها بمقطع فيديو أو غيرها من الأمور.
كما استفاد تيرزيتش من تواجده في البريميرليج، لمشاهدة ما يفعله مدربون مثل جوزيه مورينيو وبيب جوارديولا ويورجن كلوب من وراء الكاميرات.
العودة
أقيل بيليتش من تدريب وست هام في نوفمبر/تشرين ثان 2017، وعاد تيرزيتش إلى دورتموند مجددا للعمل كمدرب مساعد إلى لوسيان فافر في 2018.
وجاءت الفرصة الحقيقية إلى تيرزيتش، عندما أقال دورتموند، فافر بعد السقوط الكبير أمام شتوتجارت بنتيجة (1-5) في ديسمبر/كانون أول 2020، ليتولي تيرزيتش، المهمة الفنية للفريق بشكل مؤقت حتى نهاية الموسم.
وتمتع تيرزيتش عند توليه المهمة بشعبية كبيرة من قبل الجماهير واللاعبين، ولم يعاني من الضغوطات، حيث كان يرغب دورتموند فقط في إنهاء الموسم في المربع الذهبي، وتوصل دورتموند إلى اتفاق مع ماركو روزه لتولي المهمة الفنية للفريق في الموسم التالي.
إحراج دورتموند
عانى تيرزيتش في بداية مهمته بعض الشيء بتحقيق 4 انتصارات في أول 7 مباريات، ولكنه قلب الأمور في نهاية الموسم بالفوز في آخر 7 مواجهات.
ووصل الفريق إلى ربع نهائي دوري أبطال أوروبا، وتوج بكأس ألمانيا على حساب لايبزيج، وهو أول لقب يتوج به دورتموند منذ موسم 2016-2017.
وتزايدت شعبية تيرزيتش داخل الفريق، ولم يترك مدرب في دورتموند، ذلك الشغف والكاريزما والرغبة في الفوز بالبطولات، منذ حقبة كلوب التاريخية.
وكانت المشكلة الأبرز لدورتموند هو اتفاقهم بالفعل مع روزه قبل شهرين من التتويج بكأس ألمانيا، ليتجه دورتموند إلى تعيين تيرزيتش كمدير تقني من أجل الإبقاء عليه بعيدًا عن أطماع الأندية الأخرى الراغبة في خدماته، وتجهيزه لخلافة روزه.
الفرصة المهدرة
رحل روزه بالفعل عن دورتموند بنهاية موسم 2021-2022، ليتولي تيرزيتش، المهمة الفنية للفريق من جديد في موسم 2022-2023.
وقدم مستويات مميزة، وكان قريبًا للغاية من التتويج بلقب البوندسليجا، والذي خسره بسيناريو دارمي وبفارق الأهداف أمام بايرن ميونخ، بعد تعادله في الجولة الأخيرة على أرضه أمام ماينز، في الوقت الذي كان يحتاج فيه إلى الفوز للتتويج باللقب.
وجاء ذلك الموسم الاستثنائي على الرغم من رحيل هالاند لمانشستر سيتي، وإصابة سيباستيان هالر بالسرطان في بداية الموسم، ليصل دورتموند لمنتصف الموسم في المركز السادس.
لكن انقلبت الأمور في النصف الثاني من الموسم، وبرز نجم كل من كريم أديمي ودونيل مالين، وتحول إيمري تشان إلى أحد أبرز متوسطي الميدان الدفاعيين في العالم، ولكن لم تكتمل النهاية السعيدة بالتعثر أمام ماينز.
والآن يبتعد تيرزيتش بـ 90 دقيقة عن تعويض جماهير دورتموند عن خيبة أمل الموسم الماضي، ومنحهم اللقب الأغلى، وذلك عندما يواجه ريال مدريد في نهائي دوري الأبطال، غدا السبت، على ملعب ويمبلي، بحثا عن النهاية السعيدة ومنح دورتموند لقبه الثاني في البطولة بعد نسخة 1996-1997.