تسرق الحروب من الناس أعمارهم، تقض مضاجعهم، تؤلمهم، وتقتلهم مرتين.
يدفع الأبرياء حياتهم ثمنًا للحرب، وهذا أول القتل، فيما تقتل الحرب الآخرين نفسيًا وتعبث بهم، وتحطم آمالهم وتدفن أحلامهم وهذا ثانيًا.
الشباب والرياضيين، جزء من المجتمع، يُشكلون شريحته الأكبر، في اليمن التي مارست الحرب على أبنائها أقسى طقوسها، دفع الشباب ثمن سعيرها باهضًا، توقفت عجلة الحياة، وانطفأ زخم الرياضة الهادر، وباتت محاولات البقاء على قيد الرياضة، مجرد (حلاوة روح).
هنا اليمن؛ لكن بلا منشآت رياضية، شباب طموح يمارسون هواياتهم على الأطلال، بنية تحتية مدمرة، موارد مالية شحيحة، لتستمر الرياح بالإتيان بما لا تشتهي سفن وطن أزهقت ابتسامته الحرب، وفرضت عليه واقعًا يكتظ بالمآسي.
النجاح لا يأتي “بغتة” والإنجاز لا يتحقق بالعشوائية؛ ولآن رحى الحرب لا تزال تدور، كان من الطبيعي أن تستمر المآسي، وأن تستوطن “تراجيديا” المشاهد الرياضية قلوب عشاق الرياضة.
لكي ترسم على محيا وطنك أفراح الانتصارات، ومعانقة المجد تحتاج إلى وطن آمن، ومسؤولين بضمائر حية؛ لكن عندما تعصف النيران بالأرض، ويتحول المسؤول إلى “جيبٍ” كبير وضمير شبع موت، ستجد أن الدموع هي وسيلتك الوحيدة لتتنفس، وأن الألم هو السطر الوحيد الذي ستقرأه.
تــراكــم أمنيــات
يُعلق جمهور الكرة في اليمن آمالهم على نجاح المنتخبات الوطنية في الاستحقاقات الخارجية، يأتي في مقدمة هذه الأمنيات التأهل إلى كأس العالم للمرة الأولى في تاريخ الرياضة اليمنية.
يرغب الجمهور بالتأهل إلى البطولة الأولى عالميًا، وبعدها لا يهم أن نخسر ولو بـ “دزينة” أهداف ومغادرة المجموعة بالخسائر الـ 3، المهم أن يُسجل المنتخب الوطني الأول اسمه بين كبار القارة وإن كانت العواقب مفزعة.
الجمهور اليمني الذي يرتشف السعادة مع كل تعادل أو فوز يحققه أي منتخب (أول – أولمبي- شباب وناشئين) ما يلبث أن يذرف دموع الحسرة على خيبات الخروج، والمغادرة من الباب الضيق.
تتراكم أمنيات الجماهير في اليمن، وفقًا للشغف وإيمانًا بأن الحظ قد يبتسم ذات يوم للكرة اليمنية، ويُشارك اللاعبون في مختلف الفئات العمرية متسلحون بالحماس وحب الوطن، مع الاقتراب من دخول عام عاشر للحرب التي عطلت الحياة الرياضية وحالت دون استمرار دوران الكرة ولو بإقامة دوري واحد على مدار تلك السنوات العجاف السبع.
ظروف الحرب المحطبة التي أحاطت بالرياضة اليمنية سواء في كرة القدم، أو في مختلف الألعاب الأخرى، لعبت دورًا سلبيًا في عدم استثمار طاقات الشباب الرياضية بما يؤهلهم للمنافسة والوصول إلى منصات التتويج.
منشآت رياضية مدمرة، ظروف مادية صعبة، أفرزت من ركام الأوجاع منتخبات ورياضيين يبذلون ما بوسعهم لتشريف اليمن، ومن وراء ذلك جمهور يعرف أن الإنجازات تحتاج إلى معجزات، عندما تغيب عوامل النجاح والبناء الداخلي للرياضيين وتطوير قدراتهم.
تستمر الحرب، و يقابلها على الطرف الحالم “نافذة الأمل” بأن تعود المياه إلى مجاريها، فاليمن تزخر بموهوبي الفطرة ، الذين يحتاجون إلى الرعاية والاهتمام وصقل قدراتهم؛ ليعانق شبابها المغلوب على أمره النجوم وتُكلل أعناقهم بالميداليات الملونة والفخر.
اليمن .. على قيد الرياضة .. محمد البحري
التصنيفات: ميادين