هناك على أرض الرشيد، كان منتخب العراق تحت 23 سنة، يسطر ملحمة كروية في بطولة غرب آسيا، ويتربع على عرشها ويرفع كأسها، وسط حضور جماهير آسر، ضاقت به جنبات ملعب المدينة الدولي الساحر، وخيّل لمن لم يتابع المشهد من بدايته، أنها من كبريات المنافسات العالمية.
البطولة لفرق الشباب، وهي بالعادة لا تحظى بذلك الاهتمام الذي يعادل المنتخبات الوطنية الأولى، لكن عشق الكرة في العراق لا يقسّم، والمشهد المهيب الذي أبهرنا جميعا في بطولة كأس الخليج، عاد ليتكرر ويكون حالة غلفت حياة العراقيين وباتت متنفسهم ومقصد أحلامهم.
وكأنها أرض عطشى، أرهقها الظمأ، وفتحت أبواب السماء عليها رعدا وبرقا وأمطار خير، ليزهر الريحان ويبث أريجه معلنا عن بدء الحياة من جديد، هي حال العراقيين لكرة القدم، التي حرموا منها سنوات طويل، وعادت لهم وعادوا لها بعد طول جفاء، فكان الاستقبال بقدر الاشتياق.
هناك في البصرة، كان المشهد مهيبا، منذ الثواني الأولى لانطلاق كأس الخليج في نسختها الـ 25، انتصر العراق على كل المخاوف والتشكيك، واتحد العراقيون خلف هدف واحد وهو إنجاح البطولة، وإثبات أن هذا الوطن بعراقته وطيبة أهله قادر على احتضان الجميع دون خوف، وفتحت القلوب قبل أبواب البيوت لاستقبال الضيوف الذين أصبحوا أصحاب بيت، فكانت بطولة للتاريخ لا يمكن نسياتها، جعلت الجميع فائزون.
إذا أردت أن تنظم بطولة ناجحة، فعليك بالعراق، فهناك شعب تشرب كرة القدم، واتحد خلف عشقها النابع من الانتماء للتراب الطاهر، والأرض التي أنجبت الرجال الرجال، فالنجاح (شيك على بياض) وتذاكر المباريات مباعة قبل أن تطبع، وأكبر مسؤول عن الرياضة يقود جيش المنظمين ويتابع بنفسه ويسهر على راحة الضيوف، ولن نزيد في الحديث عن الملاعب التي أذهلت العالم وأكدت أن الكبير يمرض، ولكن لا يموت.
كل التحية لعقول صنعت المعجزة، ولأياد صفقت طويلا لكل من زار العراق مشاركا ومنافسا، ولقلوب اتسعت للجميع، ولوطن كل ما فيه جميل، بشمسه وترابه وهوائه، وكما قال الشاعر الكبير بدر شاكر السياب:
الشمس أجمل في بلادي من سواها، والظلام
حتى الظلام – هناك أجمل، فهو يحتضن العراق