المقدمات تقود إلى النتائج، والأداء الهزيل لا يؤدي إلا للمزيد من الهزل.
عانى منتخب الأرجنتين كثيرا خلال مشواره الشاق في تصفيات القارة الأمريكية الجنوبية، للوصول إلى مونديال روسيا، ووصلت القناعة في بعض المراحل إلى الغياب القسري عن بطولة، يعتبرها راقصو التانجو مطلبا شعبيا لا يقل عن الخبر واستنشاق نسيم الحرية.
جرب الاتحاد الأرجنتيني كل الحلول، فاستبدل مدربهم السابق باوزا بمدرب يحظى بشعبية في البلاد، خاصة وأن سامباولي سبق له وأن قهر منتخبهم في كوبا امريكا، وتوج باللقب مع تشيلي، ولن يكون مستغربا أن قرار الاتحاد الأرجنتيني جاء بعد مشاورة نجم الفريق الأول ليونيل ميسي..لكن يبدو أن الشق أوسع بكثير من الرقعة، والمسألة لا تتعلق بمدرب، بل بمنظومة متكاملة.
جاء سامباولي، ولم تتغير معه النتائج كثيرا، بقيت معاناة الأرجنتين حتى الجولة الأخيرة، التي كانت حاسمة وصبت نتائج الفرق المنافسة في مصلحة بلاد التانجو، وسجل ميسي ثلاثيته في الإكوادور وضمنت الأرجنتين التأهل للمونديال، فانهالت الإشادات على ميسي..وسامباولي معا.
خطأ سامباولي بعد بلوغ روسيا، أنه وضع نجم الفريق الأول ليونيل ميسي كأولوية، وبنى من حوله بقية الفريق، بل ويشاع أنه لا يتخذ قرارا دون العودة إلى نجمه المفضل، ودليل ذلك كثرة سفره إلى إسبانيا للاجتماع مع البرغوث الذي يبدو أنه عبث كثيرا بأوراق المنتخب.
حزم نجوم الأرجنتين في بلاد العالم أمتعتهم، وارتحلوا إلى حيث يقيم ميسي، تدربوا حيث يتدرب، وذلك لعدم إخراجه من الأجواء الحميمة التي يعيشها، تدربوا كما يشاء، وربطت ساعات منبهاتهم على موعد صحوه..كل ذلك وأكثر قيل عن سيطرة هذا النجم على فريقه.
في كل تصريح، كان سامباولي يبدأ بميسي، وعندما يريد أن يقرّع لاعبا..يتجنب نجمه المفضل..وإذا أراد أن يشيد، فلا يشيد إلا بميسي، حتى أن الفريق بأكمله تحول لمجرد شبح للاعب أوحد، وكأن الأرجنتين بأسرها هي ميسي.
عندما تشاهد مباراة للأرجنتين، تشعر أن هناك خطب ما، اللاعبون يتحركون بتثاقل، يلعبون بحسرة، لا يستمتعون..لا يتحدثون مع بعضهم البعض، تضيع الفرصة..فلا تشعر بذلك الغضب الصادر من القلب..هناك شيء ما بداخلهم، يظهر على تعابيرهم، وتخفيه صدورهم.
نعم..لسنا مجرد مرتزقة، قد تكون هذه كلماتهم، وهو ما ترجمته حركاتهم، حتى أن الجمل التكتيكية التي اعتاد عليها ميسي في برشلونة، لم تكتمل، فتكررت لقطات تمريره للكرة وتحركه في انتظار استلامها من جديد، لكن زميله يفضل التمرير باتجاه آخر أو التسديد أو الانتظار حتى تنقطع منه، وهو ما علق عليه سامباولي بأن لاعبي الأرجنتين لا يساعدون ميسي.
النتيجة كانت واضحة، فميسي الأرجنتين ليس ميسي برشلونة، لسبب بسيط، أن النادي الكتالوني وفر منظومة متكاملة محيطة بميسي، تعمل كالتروس، كل منها يشغل الآخر، وعلاقة اللاعبين بنيت على مدى سنوات، وتحولت إلى أكثر من الصداقة، لكن الأمر مختلف تماما مع الأرجنتين، فاللاعبون بالكاد يلتقون بالمناسبات، ويبدو أن هناك شيء ما يحملونه تجاه زميلهم المدلل، خاصة وأن لكل منهم شخصيته المتفردة وجمهوره الكبير في الدوري الذي يلعب به.
إذا كان سامباولي استمع لميسي في وضع التشكيلة، وإبقاء عدد من النجوم الكبار على المقاعد بحجم ديبالا وهيجواين ودي ماريا، والإصرار على مشاركة لاعبين يقلون كثيرا عنهم في النجومية والمستوى وحتى تصنيف الدوريات التي يلعبون بها، وإشراك آخرين انتهت صلاحيتهم مثل ماسكيرانو والحارس كباييرو، فإنها خطيئة لن تغفرها دموع الجماهير التي هاجمت مدربها سامباولي، كونه صاحب القرار الأول والأخير، ولن يكون ميسي أيضا بمعزل عن الانتقاد..الذي طاله كثيرا بعد خسارة نهائي في كوبا امريكا، ودفعه للإعلان عن اعتزاله اللعب الدولي، قبل الرجوع عنه بسبب المناشدات من مختلف قطاعات الدولة وعلى رأسها الرئيس الأرجنتيني.
الأرجنتين كلها وقفت مع ميسي، ومنحته كامل الصلاحيات، وقد يكون سامباولي أساء التعبير، وخانته حماسته تجاه حامل الكرة الذهبية خمس مرات، كما أن تلك الوقفة الشعبية مع النجم الأول.. ساهمت في سقوط منتخبها المدوي أمام كرواتيا..بعد أن نزهت ميسي عن النقد، ورفعته فوق كل اعتبار، فكانت مشاركة أيضا بهذا الجريمة.